الثلاثاء، 27 يوليو 2010

وصايا الرسول لأهل المدينة

وصاياالرسول لاهل المدينة

مقدمة

انتهت المرحلة المكية فى تاريخ الدعوة الإسلامية بما فيها من اضطهاد وتعذيب، وصبر، وثبات .. لكن دروسها ظلت باقية حتى يومنا هذا وسوف تظل إلى ما شاء الله. وهى دروس ذات أثر بالغ بما تحويه من الأساس الصحيح لأى دولة جديدة.

وجاءت المرحلة "المدنية" لتعطى الاستمرارية لهذه الدروس التى غابت عن مفاهيم كثير من المسلمين وغير المسلمين. ظهر ما يسمى بالصراعات الحضارية والتشدد غير المطلوب.

احداث غيرت وجه التاريخ وأعطت أروع الأمثال للقائد فى أبهى صوره حين يكون واعيا ومدركا لكل المتغيرات من حوله .. وأعطت - أيضا - أروع الأمثال لأناس أعتنقوا مبادىء الدين الجديد وطبقوه فى حياتهم وسلوكياتهم حتى مع اعدائهم، فصار لهم شأن .. أى شأن.

محتويات:

  • المبادىء الاحد عشر
  • تأكيد مكانة المرأة
  • الى يثرب الخير
  • المسجد اولا
  • الاغانى ..لماذا؟

المبادىء الاحد عشر

استمرت المرحلة المكية ١٣ سنة، وبدايتها كانت نزول الوحى وبدأ الرسالة ونهايتها هجرة النبى صلى الله عليه وسلم. والمرحلة اتسمت بالتحدى والاصرار على حمل الرسالة. وبدأت الرسالة وعمر النبى ٤٠.. وفى السنوات الثلاث الأولى عمل النبى على تكوين جيل متكيز خلقا وعملا ، هذا الجيل هو الذى حمل أعباء نشر الرسالة فى الأرض، وفى نهاية السنوات الثلاث أصبح عدد المسلمين الأول ثلاثمائة .. ثم تم ال‘لان والجهر بلاإسلام.

ومن سنة ٣ إلى سنة ٦ من البعثة بدأ الإيذاء الشديد للمسلمين من جانب المشركين. كما أنشأ النبى جامعة للتدريب الفكرى والسياسى فى دار الأرقم بن أبى الأرقم، تخرجت فيها نماذج متميزة سياسيا واخلاقيا واجتماعيا وفكريا.

فى ذلك الوقت قدمت السماء هدية للنبى بإسلام عمر بن الخطاب وإسلام حمزة، فانتقل الإسلام نقلة جديدة بهذين الرجلين، وقررت قريش اللجوء إلى المفاوضات من أجل أغراء النبى صلى الله عليه وسلم بالمكاسب المادية بدلا من الإيذاء. أو بمساومته، ففشلت المفاوضات لأن النبى لم يستسلم للشهوات والإغراءات الدنيا. ثم عرض النبى مبادرة لعمل تعايش مشترك مع قريش من خلال حلف الفضول.

ومن سنة ٦ إلى ٩ بدأت قريش الحصار للنبى وأصحابه .. ومن سنة ٩ إلى ١١ , جاءت وفاة أبو طالب والسيدة خديجة، فيبدأ النبى فى البحث عن الحماية والنصرة خارج مكة. فيفشل فى الطائف وتفشل 26 محاولة مع القبائل. وفى سنة ١١يؤمن الانصار، وسنة ١٢ يبايعون النبى بيعة العقبة الكبرى للهجرة إلى أرضهم ليكون الحاكم المسئول عن المدينة، ويتأسس للإسلام وطن فى المدينة بوصول النبى إلى المدينة سنة ١٣ للبعثة.

تأكيد مكانة المرأة

الدروس المستفادة من المرحلة المكية هى:

-إيمان النبى صلى الله عليه وسلم برسالة عظيمة هى إصلاح الأرض ، وقد آمن بها معه الصحابة فحمولوا الرسالة التى ملأت قلوبهم وعاشوا من أجلها. هل يمكن أن تكون فكرة النهضة وإصلاح بلادنا الآن هى الهدف الذى يملأ قلوب وعقول الملايين من المسلمين؟

-الصبر والثبات والإصرار والتضحية. الدم والعرق. الموت والخوف. قصة دائمة لكل صاحب رسالة إصلاحية. وسمية وبلال خير دليل على ذلك. هل نحن مستعدون الآن لمثل هذه التضحية لصنع النهضة فى بلادنا؟

-التدريب وإعداد جيل فكريا وسياسيا وأخلاقيا فى دار الأرقم .. والتدريب فكرة أساية لأى جيل ينشد الإصلاح.

-التخطيط الذكى المرن المبادر . كان عليه الصلاة والسلام يبادر ويضع قريشا فى رد الفعل. والوحى ولم يخطط له شيئا. الوحى يأتى بالمنهج القرآنى، والمعجزات كانت للتثبيت ورفع الروح المعنوية، لكنها لم تكن تغير الأحداث. كانت الأحداث تتغير بالتخطيط والصبر.

-النبى كان يتعايش مع غير المسلمين، والمسلمون كانوا مندمجين بالمجتمع يتحركون معه. والنهضة لا تحدث إلا بالتعايش مع العالم بشرقه وغربه.

-ضبط النفس مهما كان الظلم. نحن لم نسمع عن صحابى حطم أصناما أو قتل أبا جهل أو أحرق دار الندوة. ضبط النفس يحافظ على المجتمع ولا يدمره . وهذا طريق الأنبياء: عدم استخدام العنف لنشر العقيدة.

-مكانة المرأة فى الإسلام، أحيانا يسبق دورها دور الرجل. فأسماء هى المؤتمنة على مكان الغار. وخديجة هى أول المؤمنين برسالة زوجها. لهذا لن تكون هناك نهضة مادام هناك ظلم يقع على المرأة.

-تجربة النبى لم تكن مثالية وخالية من الأخطاء .. هناك أخطاء وقعت. إذا عرف المشركون مكان الغار، ووصل سراقة إلى النبى أثناء الهجرة. وفشل النبى فى 26 محاولة لضم القبائل إلى صفوفه. لكن الفشل هو الذى يصنع النجاح فى نهاية الأمر.

-الأمل لم ينقطع فى عقل النبى صلى الله عليه وسلم وإرادته. هناك غاران ضيقان أضاء البشرية : غار حراء خرجت منه رسالة النور والهداية للبشرية، وغار ثور الذى خرج منه منشأ وطن وبلد.

-التوكل على الله .. " ما ظنك باثنين الله ثالثهما" .. عادة الذين يخططون لا يعرفون التوكل. ومع الأسف حاليا المسلم لا يتوكل لا يعرف كيف يخطط. لكن النبى صلى الله عليه وسلم فعل الاثنين معا: خطط وتوكل على الله. فالطاقة الروحية هى صانعة النهضة. لذلك نحن نرفع شعار: التنمية بالإيمان. فلا تنمية بدون إيمان.

-الصدق والأمانة والوفاء لأصحاب الفضل والإتقان. ولا نهضة دون هذه الأخلاقيات الأساسية.

-سر عناد قريش ورفضها للرسالة ليس عدم الاقتناع إنما كان لمصالح شخصية. فحذر أن تضع مصلحتك الشخصية فى كفة والحق فى كفة ثانية، ثم تنحاز لمصلحتك الشخصية ، ولك فى سورة.

" تبت يدا أبى لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب". درس وعبرة .. هذه هى دروس المرحلة المكية.

الى يثرب الخير

نعود إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومشوار الهجرة .. هو الآن على وشك الوصول إلى المدينة. والمرحلة المدنية سوف تستمر عشر سنوات، من وصوله إلى المدينة المنورة حتى وفاته صلى اله عليه وسلم .. خلال المرحلة المدنية قام النبى بتأسيس الوطن. وقد بقى فى مكة مسلمون لم يستطيعوا الهجرة أو حالت مصالحهم الشخصية دون ترك مكة. وهناك أناس من بنى هاشم يتعاطفون مع النبى رغم كونهم غير مسلمين مثل العباس عم النبى الذى حل محل أبى طالب. وقد قامت اربع حروب خلال المرحلة المدنية بين النبى وقريش. فكيف كان موقف المسلمين الموجودين بمكة خلال هذه الحروب.

طبعا مكانوا مع النبى، لكن النبي لم يستخدمهم في صراعه مع مكة، ولم يقم أحدهم بأى عمل عسكرى أو بأية قلاقل في مكة.كأن النبي يحترم قيم المجتمع الذي يعيش فيه الناس، وهم مواطنون بمكة، فلا يليق أن يستخدمهم في حربه مع مكة انطلاقا من حق المواطنة الذي يحترمه. والمسلمون بمكة لابد، أن يلتزموا بالقيم السائدة في مجتمعهم الذي نشأوا فيه. من هنا أقول للمسلمين الذين يعيشون فى الغرب: عليكم باحترام قيم المجتمع الذي تعيشون فيه، فلا ينبغى أن تخربوا هذا المجتمع من أجل مشاكل تتعلق ببلادكم وأوطانكم الأصلية. لا يليق بالمسلم أن يقوم بتزوير "فيزة" أو يدعى أنه يعانى من البطاقة لكي يحصل على إعانة من الحكومة الغربية في البلد الذي بعيش فيه تحت دعوى أنهم أعداء ويستحقون ذلك. هذا ما دعى إليه وعمل به الرسول صلى الله عليه وسلم منذ ١٤٠٠ عام.

ويوم غزوة بدر أمرت قريش المسلمين الوجودين بمكة وللكفار من بني هاشم أن يخرجوا في غزوة بدر، فخرجوا، فقال النبى للمسلمين في جيشه: من لقى منكم العباس في المعركة فلا يقتله، إنما خرج مكرها. كذلك كان اليهود من مواطنى المدينة موضع إحترام ولهم نفس حقوق المسلمين مثلما عليهم واجبات. وقد حاربهم النبى بعد ذلك لأنهم لم يلتزوا بقيم المواطنة في مجتمعهم. فلم يكن ذلك اضطهادا أو كراهية ليهود ولم يكن انتقاما.

المسجد اولا

وصل النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واتجه إلى بلده قباء، اتي تبعد عن المسجد النبوي عشرة كيلومترات وهناك مكث بعض الوقت لأن اهل قباء استقبلوه استقبالا جيدا يليق بمكانته، وحتى يستعد أهل المدينة للقائه. فأقام أربعة أيام في قباء، حيث استراح من رحلة استمرت ١٤يوما. وشرع في بناء أول مسجد في الإسلام،وهو مسجد قباء بناه بنفسه وبساعديه مع أبي بكر وعلى أهل قباء، ومن وفاء النبى لهذا المكان، كان يأتى كل أسبوع لكي يصلى ركعتين في قباء. كان يأتى ماشيا من المسجد النبوى ويقول: "من توضأ في بيته ثم أتى قباء فصلى ركعتين كتب له أجر عمرة".

وتنزل ايه في هذا المسجد تقول: "لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أ يتطهروا".

كان مع النبى في قباء أبو بكر الصديق وعلى بن أبى طالب الذي لحق بالنبى مهرولا على قديه مسافة الخمسمائة كيلو متر من مكة إلى المدينة بعد أن رد الودائع، وكان يريد أن يطمئن على النبى. وحين رأى انبي في قباء منظر تورم قدمى على بن أبى طالب رق له. كذلك أتى الزبير بن العوام من المدينة إلى قبال لأستقبال النبى، رغم أنه طالب ألا يأتى أحد من المدينة لاستقباله، لكن الزبير لم يحتمل الأنتظار، فاشترى ثيابا بيضاء جميلة للنبى صلى الله عليه وسلم، حتى يدخل المدينة في أبهى منظر. وفرح النبى بقدومه وارتدى هو وأبو بكر الثياب الجديدة.

كان أهل المدينة يترقبون وصول النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمسة أيام في "الحرى" ثن أنتظروه صلى الله عليه وسلمأربعة أيام أخرى بعد أن علموا أنه وصل قباء. ودخل النبي المدينة عند غروب الشمس. فلمحه أحد اليهود منفوق نخلته، فصاح بأعلى صوته: يا معاشر العرب.. هذا جدكم الذى تنتظرون جاء المدينة.

فما أن أنهى عباراته حتى أرتجت المدينة. يقول أنس بن مالك – كان عمره ١٠ سنوات أنذاك – أسمع صوت التكبير يأتي من كل مكان: الله أكبر. أسمع صوت التهليل: لا إله إلا الله. فتحت أبواب البيوت وخرج منها الرجال والنساء والأطفال. أختلطت الدموع بالضحكات: جاء رسول الله، ذلك أعظم يوم فى تاريخ المدينة.

ويقول أنس بن مالك: دخل النبى صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الأثنين فأضاء منها كل شىء، ومات النبي بالمدينة يوم الأثنين فأظم منها كل شىء. وصار في المدينة عدة مواقع من الجنة: جبل أحد من الجنة والبقيع من الجنة وروضة النبي من الجنة. وللمدينة الحق أن تتيه على الأرض، فليس على الأرض مكان من الجنة غير المدينة.

هرول الناس صوب ركب النبى صلى الله عليه وسلم من كل مكان فى المدينة، لكن أغلبهم لا يعرفون من فى هؤلاء النبى، فالركب كان يضم أبا بكر الصديق، وعلى بن ابى طالب والزبير بن العوام. وقد أتجه بعض الناس وأمسكوا بخطام ناقة أبي بكر الصديق. فخلع أبو بكر عباءته ليظلل على النبى حتى يعرف الناس من هو النبى بين هؤلاء. فاتجه الجميع صوب ناقة النبى.

الاغانى ..لماذا؟

وقد قابلوا النبى من منطقة اسمها "ثنية الوداع". بدأ الشعر يخرج تلقائيا من أفواه الناس يغنونه أبتهاجا بوصول الرسول صلى الله عليه وسلم:

"طلع البدرؤ علينا من ثنية اودع

وجب الشكر علينا ما دعى لله داع

أيها المبعوث فينا جثث بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع"

استقبل أهل المدينة النبي بأغنية وليس بالقرآن. ولم يستنكر النبي ذلك. كان النبي يقدر قيمة الثقافة والفنون طالما أنها تخدم المجتمع. كان جميع من في المدينة يشدون خطام ناقة النبي وهم يهتفون: انزل عندى رسول الله. لكن النبى قال لهم: "دعوها فإنها مأمورة" أي اتركوا تحط رحالها في المكان الذي أمرت أن تتوقف عنده.

وتسير الناقة والناس إلى جوارها إلى أن تتوقف في مكان قبالة المسجد النبوى. فظل النبى عليها، فقامت وتحركت ثق التفتت وعادت إلى مكانها فبركت، فنزل النبى وقال: هنا المقام. وكان فى مكان المسجد النبوى ديار قبيلة بنى النجار " أخوال والد النبي صلى الله عليه وسلم". كأن الله أراد أن يعرفنا قيمة صلة الرحم بهذا الأختيار الذي كان النبى يوده في داخله، لكنه لم يفصح عنه.

ينزل النبى لسماع أول خطاب لرسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"، ماذا أراد النبى بهذا الكلام؟ كانت المدينة قبل وصول النبي قد خرجت لتوها من حرب قاسية بين الأوس والخزرج. وكانت الكراهية شديدة بين القبيلتين. وكان هناك يهود. واستقبلت مسلمين فقراء أتوا من مكة وليس لهم مأوى.

لهذا يطالبهم النبى بإنهاء موجة الحرب والكراهية، وبإطعام المهاجرين، وأن يصل الأوس والخزرج الأرحام لتتحقق الوحدة بينهم، ومطالبهم بالصلاة ليلا لتتفجر في داخلهم الطاقة الروحية. ووعدهم بالجنة إن هم فعلوا ذلك.

مشكلة المستشرقين مع النبى صلى الله عليه وسلم أنهم يحسبونه رجلا روحانيا يخاطب القلوب. وأخرون يعدونه حاكما سياسيا خطيرا، وفئة ثالثة يقولون إنه مصلح أجتماعى. وهو كذلك. لأنه صاحب رسالة إصلاحية شاملة.

لكنه في بداية كلمته دعا إلى نشر السلام. وتحية الإسلام: السلام وختام الصلاة: السلام. بداية الرسالة حضن من جبريل رمز السلام للرسول. قالت له السيدة خديجة ذات يوم: "إنك لتطعم الطعام وتصل الأرحام"، وهو ما ورد فى خطابه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.